بعد تراجع القدرة الشرائيّة للفرنسيين، حاولت الحكومة الفرنسيّة اتخاذ بعض الاجراءات تهدف لامتصاص الغضب الشعبي المتزايد خصوصا بعد قرارها رفع الضرائب على المحروقات. لم يهدأ الشارع الفرنسي الذي خرج غاضبا في اماكن مختلفة، وبالاخص حركة ما يُعرف بـ"السترات الصفراء"، ما أدى لمواجهات دامية بين المحتجين والشرطة أسفرت عن سقوط مئات الجرحى، الى جانب شلّ الحركة في كثير من الطرق والمرافق.
تحاول الحكومة الفرنسية السيطرة على التحركات وتخفيف النقمة على اجراءاتها من خلال بعض التدابير الماليّة والضرائبيّة، طالت بشقّ منها لبنان عبر "الطلاب" الذين يسافرون الى فرنسا لاستكمال تعليمهم وتحصيل الشهادات العليا.
اعلن رئيس الحكومة الفرنسي ادوار فيليب عن مخطط يهدف لزيادة عدد الطلاب المستقطبين من قبل الدولة الفرنسية، من الانتقال من 343 الف طالب حاليا الى 500 الف طالب في العام 2027 ، أي بارتفاع نسبته 46 في المئة، مؤكدا ان فرنسا تريد "كسب معركة المنافسة الدوليّة باستقبال الطلبة المتفوقين والاكثر استحقاقا من بكين وكنشاسا". ولكن الغريب في هذا المخطّط كان قرار زيادة رسوم التسجيل للطلاب الأجانب الذين يأتون من خارج الاتحاد الاوروبي بشكل خيالي، اذ ستصبح 2770 يورو بالنسبة للإجازة بعد أن كانت 170 يورو فقط، و3770 يورو بالنسبة للماستر والدكتوراه، مقابل 243 يورو للماستر و380 يورو للدكتوراه حاليا.
"لا شك أن هذا القرار سيؤثر على النظام المعتمد بين الجامعات الفرنسيّة والجامعة اللبنانيّة، حيث سيزيد من تكلفة إرسال الطلاب الى فرنسا، خصوصا وان المبلغ المرصود من قبل الجامعة اللبنانية للمنح لا يزيد عن 10 الاف دولار للطالب يتضمن كلفة الإقامة والتسجيل والمصاريف، ما يعني أن هذا المبلغ لن يكفي بعد تطبيق قرار الزيادة، كما أنه يؤثر على الطلاب الذين لم ينالوا منحة تعليميّة مّما سيدفعهم للبحث عن دول أخرى"، تقول مصادر مطلعة في الجامعة اللبنانية.
وتضيف المصادر عبر "النشرة": "شهدت علاقات الطلاب اللبنانيين بالدولة الفرنسيّة مراحل عدّة، أفضلها كانت في عهد رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، حيث كانت علاقته مع الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك عاملا مساعدا لإعفاء الطلاب اللبنانيين من تكاليف السفر والاقامة والتعليم، ومن ثم في عهد نيكولا ساركوزي أصبحت الحكومة الفرنسية تتشدد اكثر في هذا المجال، ويبدو انها متجهة لمزيد من التشدد"، مستغربة كيف أنّ القرار هو بحدّ ذاته مخالفة لمبدأ المساواة الذي كانت تتغنّى به الدولة الفرنسية.
من جهة اخرى، شهد القرار الفرنسي الجديد معارضة فرنسيّة وأجنبيّة، حيث استنكر رئيس الإتحاد الوطني لطلاب الدكتوراه والعضو في الإتحاد الوطني للطلاب في فرنسا (FENEC) آلان فولادكار، في حديث مع "النشرة"، قرار فيليب، لافتاً إلى أنه "لن يساعد الجامعات الفرنسية على استقطاب أعداد كبيرة من الباحثين المتميزين، بل على العكس، هذا المبلغ الكبير سيساهم في زيادة التفرقة الطبقية بين الطلاب إذ سيتم اختيارهم حسب مستواهم المادي".
وشدد على أن "هذا التمييز العنصري يتنافى مع معايير الجمهورية الفرنسية"، مشيراً إلى أن "أكثر من 60% من الطلاب المسجلّين لتقديم أطروحاتهم في الجامعات الفرنسية هم من الأجانب وأغلبهم غير حاصلين على منح ومساهمات ماليّة من الحكومة الفرنسيّة".
ورأى فولادكار أن "هذا القرار سيُفقد فرنسا عدداً كبيراً من الباحثين الشباب المتميزين، مع الأخذ بعين الإعتبار الكلفة المرتفعة للعيش في فرنسا"، مؤكداً أن "بهذا القرار لن تتمكن باريس من لعب دور الريادة في مجال الأبحاث".
وفي دراسة سريعة، لفت فولادكار النظر الى أن "المصروف الشهري لأي طالب أجنبي سيكون منذ العام المقبل ألف يورو على الأقل إذا ما احتسبنا فقط المصاريف الأساسية في الجامعة والسكن، ما سيصعّب على أي أجنبي أن يدرس في الجامعات الفرنسية من دون مساهمات ماليّة"، مشددا على "أننا، فرنسيين وأجانب نقوم بالأبحاث سويّة، ندرس سويّة، نقدّم المؤتمرات سوية، ونتقاسم مكاتبنا سوية، لذا نرفض أن يكون مبدأ "الجنسيّة" هو المعيار في التسجيل، وأبلغنا رئيس الحكومة بذلك عبر رسالة وجّهناها له على أمل إعادة النظر بهذا القرار".
بما يخصّ لبنان، تؤكد مصادر الجامعة اللبنانية ان إدارتها ستجتمع لبحث القرار الفرنسي ودراسة الخطوات الممكنة لمواكبته ومواجهته، والتفتيش عن تعزيز المنح الجامعية للدول الأخرى التي تتعاون معها الجامعة، داعية وزارة التربية والتعليم للعب دورها في هذا المجال عبر التواصل مع نظيرتها الفرنسية.